الثلاثاء، 27 سبتمبر 2022

اللغة والهوية: تحديات البقاء

إن اللغة والهوية عنصران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا قوة لأي هوية بدون لغة تمثلها لذلك فإن الحفاظ على أي هوية، وطنية كانت أو قومية يتطلب  استمرار  لغتها الأصيلة. واللغات على اختلافها تواجهها تحديات كثيرة تقف بوجه بقائها واستمرارها وأبرز هذه التحديات: الغزو العسكري والذوبان الثقافي، التأثير الجغرافي، التطور اللغوي. وهذا ما سيتضح من حديثي عن اللغة والهوية .. 
تحديات البقاء.

هل تموت اللغات؟
لنقرأ هذه البطاقة:
اليوم: يوم الأربعاء.
التاريخ: ١٦ / ٢ / ٢٠٢٢.
المكان: أميركا الجنوبية.
الحدث: موت لغة يامانا.

كريستينا كالديرون



بوفاة هذه السيدة تكون قد اختفت إحدى اللغات الأصلية من قارة أمريكا الجنوبية..
كريستينا كالديرون التي أعلنت عائلتها وفاتها يوم الأربعاء عن عمر يناهز 93 عاماً كانت آخر من يتقن لغة “يامانا” في مجتمع “ياجان” بتشيلي، وعملت على حفظ معرفتها من خلال إنشاء قاموس للغة مع ترجمات إلى الإسبانية، ما دفع الحكومة التشيلية عام 2009 إلى اعتبارها “كنزاً بشرياً حياً” بسبب عملها في الحفاظ على ثقافة معرضة لخطر الانقراض، حيث توقف تعلم هذه اللغة بسبب اعتبارها “معزولة” نظراً لصعوبة تحديد أصل كلماتها...
يعرّف اللغويون عادة "اللغة المنقرضة" بأنها تلك التي يتكلمها أقل من ألف إنسان، وعلى هذا الأساس تعد مثل هذه اللغات ميتة وإن تضمنتها الكتب والوثائق.  
لغات قديمة منقرضة
إن معظم اللغات القديمة كاللغات السامية التي تعدّ بالعشرات، مثل الأكّادية بفرعيها الأشوري والبابلي والأوغريتية ، وجيعز، لغة الحبشة الكلاسيكية، والفينيقية والأمورية تعد لغات ميتة اليوم.
واللغة اللاتينية واحدة من اللغات التي ماتت لأنها غير محكية حاليا ويميل بعض الباحثين إلى أنها في الواقع لم تندثر بل تبدّلت بمرور الزمن وتغير اسمُها إلى لغات عدّة مثل الفرنسية والإسبانية والإيطالية والسردينية، فكلها متحدرة من اللاتينية الأمّ. ويحلو لبعض الناس تشبيه العربية الفصحى ولهجاتها الحديثة باللاتينية وبناتها.
لغات حديثة منقرضة
وفي العصر الحديث انقرضت لغات كثيرة، ففي البرازيل وحدها انقرضت قرابة 170 لغة بعد الاحتلال البرتغالي لها في القرن السادس عشر والذي استمر حتى العام 1822, أما في المكسيك فقد بلغ عدد "الوفيات" 113 لغة وبقيت 12 لغةً.
لغات في طور الانقراض
ومن اللغات التي تعد في طور الاحتضار لغة جايلي Gaeli في جزيرة Cape Breton الواقعة إلى الشمال الشرقي من Nova Scotia التي كانت إحدى الولايات الأربع في دومنيون كندا. ويقدّر عدد الناطقين بهذه اللغة اليوم كلغة أم بحوالي خمسمائة من المسنّين في حين أن عددهم في مستهل القرن العشرين تراوح ما بين خمسين ألفا وخمسة وسبعين ألفا..

لغة الماجاتي كي لشعب المارينجار
يتكلم بها هولاء الثلاثة فقط


من عوامل اندثار اللغات: (التحدي الجغرافي)

عادة ما يكون سبب الموت ناتجا عن عوامل داخلية أو خارجية، احتلال لغة ما تدريجيا مكان لغة أخرى لأسباب اجتماعية أو سياسية. مثال على ذلك لغة كشوا في أمريكا الجنوبية التي يتحدثها نحو ثمانية ملايين نسمة وبالرغم من ذلك فهي مرشحة للانقراض بعد بضعة عقود لأن الأطفال يتكلمون الإسبانية عوضا عنها.
عندما نتحدث عن موت لغة ما فذلك لا يعني أنها هرمت وذبلت وهوت أرضا جرّاء عمرها المديد، إذ أن الموت يحلّ بلغة حديثة العهد أيضا. إن اندثار اللغات في كل الحالات يحدث عندما تحتلّ لغة ما ذات هيبة ونفوذ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مكان لغة ثانية.
ذلك الموت قد يكون، إما انتحارا وإما قتلا، ويكون الأول عند تشابه اللغتين والثاني حين اختلافهما.
من عوامل اندثار اللغات: (التحدي العسكري)
حروب إبادة وكوارث طبيعية مثلما جرى لشعوب الكاريبي خلال عقد من السنين بعد كولومبس. إلا أن مثل هذه الحالات نادرة. وكذلك اندحار العرب في الأندلس بعد قرابة ثمانية قرون فانقرضت اللغة العربية هناك.
وفي جنوب السودان مثلا ظهرت عربية جوبا وفي جزيرة مالطا تحوّلت عربيتها إلى لغة أوروبية. وفي عصرنا الحاضر حلّت الإنجليزية محل الإيرلندية في شمال إيرلندا وتهدد الآن الولشية والجالية في أسكتلندا. 
الصراع بداية الانقراض: (تحدي التطور اللغوي)
الصراع اللغوي لوحده يمكن أن يقضي على لغة من اللغات أو لهجة من اللهجات، ولا يمكن تحديد زمن هذا الصراع تحديدا دقيقا ، إلا إذا نظرنا إلى الظروف التي تحيط باللغة المقهورة وإلى مقدار ما فيها من حيوية وقوة مقاومة ، ومن أهم أشكاله :
صراع بين لُغتين مختلفتين: كما حصل بين العربية وكثير من اللغات السامية الأخرى.
صراع بين الشكل الفصيح المثالي من اللغة وبين الأشكال العامية: مثل ما يحصل بين العربية الفصحى والعاميات.
صراع بين لُغة ولهجاتها: كما يحصل بين اللاتينية ولهجاتها: الفرنسية والايطالية والبرتغالية والاسبانية، وبين الأمازيغية ولهجاتها: الشاوية والميزابية والقبائلية والتارقية.
مراحل الصراع اللغوي
المرحلة الأولى: تطغى مفردات اللغة المنتصرة وتحل محل اللغة المقهورة شيئا فشيئا أو تقل تبعا للمقاومة التي تبديها اللغة المهزومة، فاللغات البربرية لم تترك في اللغة العربية المنتصرة إلا مفردات قليلة.
المرحلة الثانية: تغيير في مخارج الأصوات؛ فيقترب النطق بها،من النطق بأصوات اللغة الجديدة شيئا فشيئا حتى تصبح على صورة تطابق أو تقارب الصورة التي هي عليها في اللغة المنتصرة، وذلك بأن يتصرف المغلوب تصرف الغالب في النطق بالأصوات فتتسرب بذلك أصوات اللغة الغالبة إلى المغلوبة في نطقها ونبرها ومخارجها مثل دخول بعض الأصوات والمقاطع من اللغة التركية إلى العربية.
المرحلة الثالثة: تفرض اللغة المنتصرة قواعدها وقوانينها اللغوية الخاصة بالجمل والتراكيب وبهذا تزول معالم اللغة المقهورة وحينئذ تبدأ اللغة المنتصرة في إحلال أخيلتها واستعاراتها ومعانيها المجازية محل نظيراتها في اللغة القديمة.
العوامل التي تمنع موت اللغة
حدد عالم الأنثروبولوجيا أكيرا ياماموتو عوامل عديدة يعتقد أنها ستساعد في منع موت اللغة:
يجب أن تكون هناك ثقافة سائدة تفضل التنوع اللغوي.
يجب أن يمتلك المجتمع المعرض للخطر هوية عرقية قوية بما يكفي لتشجيع الحفاظ على اللغة.
إنشاء وتعزيز البرامج التي تعمل على توعية الطلاب باللغة والثقافة المهددة بالاندثار
إنشاء برامج مدرسية ثنائية اللغة وثنائية الثقافة
تدريب المتحدثين باللغة الأم ليكونوا معلمين.
وضع مواد لغوية تكون سهلة الاستخدام.
تطوير الأدب المكتوب التقليدي والحديث .
إيجاد و تقوية البيئات التي ينبغي أن تستخدم فيها اللغة.

* أصل هذه المقالة حلقة نقاشية جامعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...