الثلاثاء، 25 يوليو 2017

التبتل من غريب مفردات القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله 
وصحبه ومن والاه 
أما بعد:
§قال الله تعالى في سورة المزمل:
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا).
§بتل: البَتْل القَطْع بَتَله يَبْتِله ويَبْتُله بَتْلاً وبَتَّله فانْبَتَل.

§والتَّبَتُّلُ: الانقطاع عن الدنيا إِلى الله تعالى وكذلك 
التبتيل يقال للعابد إِذا ترك كل شيء وأَقبل على 
العبادة قد تَبَتَّل أَي قطع كُلَّ شيء إِلا أَمْرَ الله 
وطاعتَه.

§والبَتُول من النساء المنقطعة عن الرجال لا أَرَبَ 
لها فيهم وبها سُمِّيت مريمُ أُمُّ المَسيح على نبينا 
وعليه الصلاة والسلام وقالوا لمريم العَذْراء البَتُول.
§جاء في الحديث النبوي الشريف: 
«لا رهبانية ولا تَبَتُّلَ في الإسلام».
§الإسلام ينهى عن التبتل الذي هو الانقطاع 
عن النكاح.
§الانقطاع عن النكاح محظور لقوله عزّ وجل: 
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور/ 32]
فائدة لغوية:
§قياس" مصدر "فَعَّلَ؛ بالتشديد" من مزيد 
الثلاثي "إذا كان صحيح اللام "التَّفْعِيل" كـ: 
"التسليم": مصدر "سَلَّم" "والتكليم": مصدر "
كلم" "والتطهير": مصدر "طهر".
§فلابد أن يكون التبتيل مصدر بتَّل وليس 
تبتَّل.
§كان يجب في غير القرآن أن يكون الكلام 
وتبتَّل إليه تبتُّلا مثل تكلَّم تكلُّما؛ لأن مصدر 
تفعَّل هو تفعُّلا.
§التبتل: يدل على التدرج.
§التبتيل: يدل على الكثرة
الشرح الكامل في هذا المقطع:


الثلاثاء، 18 يوليو 2017

معنى الإفك في كلام العرب والقرآن الكريم

الإِفْك: الْكَذِبُ.
يُقَالُ: أَفَكَ كَذَبَ. وأَفَكَ الناسَ: كَذَبَهُمْ وحدَّثهم بالباطل
فَيَكُونُ أَفَكَ وأَفَكْتُه مِثْلَ كَذَب وكَذَبْته.
والإِفْك: الإِثم. والإِفْكُ: الْكَذِبُ، وَالْجَمْعُ الأَفَائكُ. وَرَجُلٌ أَفَّاك وأَفِيك وأَفُوك: كَذَّابٌ.
والإفك: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ: مُؤْتَفِكَة.
تَقُولُ الْعَرَبُ: إِذا كَثُرَتِ المؤْتفكات زَكَتِ الأَرضُ أَي زَكَا زَرْعُهَا؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
وجَوْن خَرقٍ بِالرِّيَاحِ مُؤتَفك
أَي اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الرِّيَاحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قال تعالى: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9]
وقوله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة/ 30] أي: يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح.
ومنه قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات/ 9] ، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام/ 95] .
وقوله تعالى: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا [الأحقاف/ 22] ، فاستعملوا الإفك في ذلك لمّا اعتقدوا أنّ ذلك صرف من الحق إلى الباطل، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور/ 11] ، وقال: لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية/ 7].
والأَفَّاك: الَّذِي يَأْفِكُ النَّاسَ أَي يَصُدُّهُمْ عَنِ الْحَقِّ بِبَاطِلِهِ.
والمُؤْتفِكات: مَدائن لُوطٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لانقلابها بالخَسْف. قال تَعَالَى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى [النجم/ 53]
 وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
قال الزَّجَّاجُ: المؤْتفكات جَمْعُ مُؤْتَفِكة، ائْتَفَكَتْ بِهِمُ الأَرض أَي انْقَلَبَتْ. يُقَالُ: إِنهم جَمْعُ مَنْ أَهلك كَمَا يُقَالُ لِلْهَالِكِ قَدِ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا.
الفرق بين الكذب والافك:

أن الكذب اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، وسواء كان الكذب فاحش القبح أو غير فاحش القبح، والافك هو الكذب الفاحش القبح مثل الكذب على الله ورسوله أو على القرآن ومثل قذف المحصنة وغير ذلك مما يفحش قبحه وجاء في القرآن على هذا الوجه قال الله تعالى " ويل لكل أفاك أثيم "  وقوله تعالى " إن الذين جاءوا بالافك عصبه منكم "  ويقال للرجل إذا أخبر عن كون زيد في الدار وزيد في السوق إنه كذب ولا يقال إفك حتى يكذب كذبة يفحش قبحها.


ماذا قدمت لحياتي؟

إن حالي وحالَك يا أخي واحدٌ
يمر يومي ويومُك وحالُنا لا يتغير
كلُ يوم نستزيد من كل شيء إلا من طاعة الله
فهي كلُ يوم في تناقص
نستزيد من لهو ومن عبث 
نضيع الوقت فيما لا ينفعنا
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ 
ولا بُكاءٍ ولا خوف ولا حـَزَنِ

أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً 

عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي

يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ 

يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
وننسى قول الله تعالى: سنكتب ما قدموا وآثارهم
ماذا سنجد في صحائفنا إذا بعثنا يا ترى
متى نقول لأنفسنا:
كفى يا نفس ما كان كفاك هوى وعصيانا
كفاك ففي الحشى صوت من الإشفاق نادانا
نفسي ونفسك بيت الداء وبيت المعصية 
لا تشبع من غيها مهما اعطيتها من المعاصي
فهي لا تكتفي وتطلب منك المزيد
حتى توردك المهالك والردى
فلننتبه قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم
فنقول كما قال الله تعالى:
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) الفجر
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي 
فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً 

عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
متى نقر بذنوبنا ؟
متى نعود إلى الله تعالى ونناجيه
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا
وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا
عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا
يارب لقد أمهلتنا وسترتنا كثيرا
فاسترنا في الآخرة كما سترتنا في الدنيا
مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني 
وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
أعلم يا أخي أن الله هو الغفور الرحيم 
وأنه لا يرد من وقف ببابه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. الترمذي
قف بالخضوع وناد يا الله 
إن الكريم يجيب من ناداه

الخطبة التي خلت من حرف الراء!

أعجب واغرب خطبة في التاريخ العربي الإسلامي إنها خطبة واصل بن عطاء تلك الخطبة الشهيرة التي خلت بأكملها من حرف الراء، فلم تتضمن كلمة واحدة فيها حرف راء، وفيها تظهر براعة قائلها وقدرته العجيبة على تجنب حرف كثير الاستخدام من كلامه
فمن هو واصل؟
هو أبو حذيفة واصل بن عطاء المخزومي (700 - 748)، الملقب بالغزال الألثغ، كان تلميذاً للحسن البصري، ومؤسس فرقة المعتزلة (الضالة عن الإسلام). حصل الخلاف بينه وبين الحسن في حكم مرتكب الكبيرة، فاعتزل حلقة الحسن، فقال الحسن "اعتزلنا واصل" فتسمت فرقته بالمعتزلة وانضم إليه عمرو بن عبيد. كانت زوجته هي أخت عمرو بن عبيد. توفي في عام 131 هـ الموافق لـ 748 م في المدينة المنورة. كان واصل بن عطاء على ما وهبه الله من فطانة وفصاحة وحسن تصرف في القول كان صاحب عاهة في نطق حرف الراء.
وكان واصل يحسن التأتي لهذا العيب المحرج في النطق، فيجانب لفظ الراء إلى سواه من الحروف، فيجعل البر قمحاً، والفراش مضجعاً، والمطر غيثاً، والحفر نبشاً، وقد سجل لنا العلماء خطبة كاملة لواصل بن عطاء تجنب فيها حرف الراء.
انفصل واصل بن عطاء عن الحسن البصري وكون الحلقة الأولى للمذهب الاعتزالي (الضال).
على الرغم من أن واصل بن عطاء كان من زعماء ما يسمون الآن (العقلانيين) في التاريخ العربي الا أنه كان في نفس الوقت من منظري التكفير وهذا شيء يثير الاستغراب، فقد أسس نظرية "المنزلة بين المنزلتين" ومعناها أن مرتكب الكبيرة ليس مسلم ولا كافر ولكنه في منزلة بينهما واذا مات ولم يتب عن كبيرته فهو مخلد في النار.
أهمية الخطبة:
للخطبة قيمة فنية وتاريخية عظيمة، فهي خطبة مرتجلة أمام الوالي ووفد من العلماء، اقتدر صاحبها على الاستغناء فيها عن حرف من أكثر الحروف دوراناً في الكلام، وعلى الرغم من أنها خطبة ذات طابع ديني، فيها من معاني القرآن الكريم وأساليبه ونصوصه. غير أن واصل قد تمكن من الفرار في إبداع وخفة وحذق من ألفاظ معينة إلى مرادفاتها، وهذا يدل على قدرة فنية لا تتأتى إلا للأفذاذ من أهل اللغة.
أما قيمتها التاريخية فتنبع من كونها أنموذجا من خطب الوعظ الخالص في القرن الثاني للهجرة، تجنب فيها واصل فتن المذاهب والدعوات المذهبية، وفيها شبه كبير بخطبتي عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك، وقد اجتمع في ثلاثتها التحذير من مفاتن الدنيا، وتصوير نهاية الأحياء، والتنويه بفضل القرآن، والحث على إتباع آياته وهديه. 
نص الخطبة:
   واصل بن عطاء " الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خلق، ولم يخلقه على مثال سبق، بل أنشأه ابتداعاً، وعد له اصطناعاً، فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدل على ألوهيته، فسبحانه لا معقب لحكمه، ولا دافع لقضائه، تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لسلطانه، ووسع كل شيء فضله، لايعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له، إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كل مخلوق، وتنزه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يُعصى فيحلم، ويدعى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادة حق، وقول صدق، بإخلاص نية، وصدق طوية، أن محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخاصته وصفيه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق، فبلغ مألكته (يعني رسالته)، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عنه زعم زاعم، ماضياً على سنته، موفياً على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجل وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته، فأحضكم على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإن تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة في معاد. ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها، وفوائن لذاتها، وشهوات آمالها، فإنها متاع قليل، ومدة إلى حين، وكل شيء منها يزول، فكم عاينتم من أعاجيبها، وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلواً، ومزجت لهم سماً. أين الملوك الذين بنوا المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب، وأعدوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد، قبضتهم بمخلبها، وطحنتهم بكلكلها، وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم من السعة ضيقا، ومن العز ذلاً، ومن الحيلة فناء، فسكنوا اللحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لاتعاينُ إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحسس منهم أحدا ولا تسمع لهم نَبساً.
فتزودوا عافاكم الله فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظه وسعادته، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله، الزكية آياته، الواضحة بيناته، فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي، إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان. قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، وبالآيات والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا جنات النعيم. وأقول ما به أعظكم، وأستعتبُ الله لي ولكم."

من جميل كلام العرب

قال رجل لأبي هريرة النحويّ: أريد أن أتعلّم العلم وأخاف أن أضيّعه.
فقال: «كفى بترك العلم إضاعة» .
وسمع الأحنف رجلا يقول: «التعلم في الصغر كالنقش في الحجر» .
فقال الأحنف: «الكبير أكبر عقلا، ولكنه أشغل قلبا» .
وقال أبو الدرداء: ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلوا» .
قالوا: ولذلك قال عبد الله بن عباس رحمه الله، حين دلّى زيد بن ثابت في القبر، رحمه الله: «من سرّه أن يرى كيف ذهاب العلم فلينظر، فهكذا ذهابه» .
وقال بعض الشعراء في بعض العلماء:
أبعدت من يومك الفرار فما ... جاوزت حيث انتهى بك القدر
لو كان ينجي من الردى حذر ... نجّاك مما أصابك الحذر
يرحمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو ودّه كدر
فهكذا يفسد الزمان ويفنى ال ... علم منه ويدرس الأثر
قال: وقال قتادة: لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام، إذ قال للعبد الصالح: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) .
أبو العباس التميمي قال: قال طاوس: «الكلمة الصالحة صدقة» .
وقال ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «فضل لسانك تعبّر به عن أخيك الذي لا لسان له صدقة» .
وقال الفضيل  : «نعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها إلى أخيه» .
وضرب الحجاج أعناق أسرى، فلما قدموا إليه رجلا لتضرب عنقه قال:
والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في العفو! فقال الحجاج: أف لهذه الجيف، أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا الكلام! وأمسك عن القتل.





الاثنين، 17 يوليو 2017

نظريات نشأة اللغة

     لا شك أن الفضل في تطور اللغة الإنسانية يرجع إلى المجتمع نفسه, وإلى الحياة الاجتماعية. فلولا اجتماع الأفراد بعضهم مع بعض, وحاجتهم إلى التعاون والتفاهم وتبادل الأفكار, والتعبير عما يجول بالخواطر من معانٍ ومدركات, ما وجدت لغة ولا تعبير إرادي.
    ولا شك كذلك أن اللغة ظاهرة اجتماعية تنشأ كما ينشأ غيرها من الظواهر الاجتماعية، فتخلقها طبيعة الاجتماع، وتنبعث عن الحياة الجمعية, وما تقتضيه هذه الحياة من شؤون.
    لذلك ظهرت عدة نظريات تحاول الكشف عن النشأة الأولى للغات، وأبرز هذه النظريات:

1- نظرية الإلهام الإلهي:

تقرر هذه النظرية أن الفضل في نشأة اللغة الإنسانية يرجع إلى الهام إلهيٍّ هبط على الإنسان فعلمه النطق وأسماء الأشياء، وقد ذهب إلى هذ الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني هيراكليت Heraclite، وفي العصور الوسطى بعض الباحثين في فقه اللغة العربية كابن فارس في كتابه الصاحبي، وفي العصور الحديثة طائفة من العلماء على رأسها الأب لامي Lami  في كتابه "فن الكلام" LArt de parler,  والفيلسوف دوبونالد De Bonald  في كتابه التشريع القديم Legislation primitive..
وأصحاب هذه النظرية يقدمون بين يدي مذهبهم أدلة نقلية بعضها يحتمل التأويل, وبعضها يكاد يكون دليلًا عليهم لا لهم.
دليلهم:
المؤيدون لهذا الرأي من باحثي العرب يعتمدون على قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} وهذا النص يحتمل أن يكون معناه -كما ذكر ذلك ابن جني في كتابه الخصائص, وذهب إليه كثير من أئمة المفسرين: أن الله تعالى أقدر الإنسان على وضع الألفاظ.
أما القائلون بهذه النظرية من الغربيين، فيعتمدون على ما ورد بهذا الصدد في سفر التكوين؛ إذ يقول: "والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها, وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان, فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول": وهذا النص، كما ترى، لا يدل على شيء مما يقول به أصحاب هذه النظرية، بل يكاد يكون دليلًا عليهم.

2- نظرية التواضع والاصطلاح:

تقرر أن اللغة ابتدعت واستحدثت بالتواضع والاتفاق وارتجال ألفاظها ارتجالًا, وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني ديموكريت Democrite - من فلاسفة القرن الخامس ق م- وفي العصور الوسطى كثير من الباحثين في فقه اللغة العربية مثل ابن جني، وفي العصور الحديثة الفلاسفة الإنجليز آدم سميث Adem Smith,  وريدReid,  ودجلد ستيوارت Dugald Stewart..
وليس لهذه النظرية أي سند عقلي أو نقلي أو تاريخي, بل إن ما تقرره ليتعارض مع النواميس العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية, فعهدنا بهذه النظم أنها لا ترتجل ارتجالًا ولا تخلق خلقًا، بل تتكون بالتدريج من تلقاء نفسها. هذا إلى أن التواضع على التسمية يتوقف في كثير من مظاهره على لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون, فما يجعله أصحاب هذه النظرية منشأ للغة يتوقف هو نفسه على وجودها من قبل.

3- نظرية المحاكاة:

تقرر هذه النظرية أن الإنسان سمّى الأشياء بأسماء مقتبسة من أصواتها بمعنى أن تكون أصوات الكلمة نتيجة تقليد مباشر لأصوات طبيعية صادرة عن الإنسان أو الحيوان أو الأشياء.
وقد عرض ابن جني لهذا الرأي بقوله: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة؛ كدوي الريح, وحنين الرعد, وخرير الماء, وشحيج البغل, ونهيق الحمار, ونعيق الغراب, وصهيل الفرس, ونزيب الظبي، ثم تولدت اللغات عن ذلك فيما بعد...".
حسب هذه النظرية يكون الإنسان قد افتتح هذه السبيل بمحاكاة أصواته الطبيعية التي تعبر عن الانفعالات؛ كأصوات الفرح والحزن والرعب وما إليها, ومحاكاة أصوات الحيوان ومظاهر الطبيعة والأشياء وكان يقصد من هذه المحاكاة التعبير عن الشيء الذي يصدر عنه الصوت المحاكى ما زود به من قدرة على لفظ أصوات مركبة ذات مقاطع, وكانت لغته في مبدأ أمرها محدودة الألفاظ، قليلة التنوع، قريبة الشبه بالأصوات الطبيعية التي أخذت عنها, قاصرة عن الدلالة على المقصود, ولذلك كان لابد لها من ساعد يصحبها؛فيوضح مدلولاتها ويعين على إدراك ما ترمي إليه, وقد وجد الإنسان خير مساعد لها في الإشارات اليدوية والحركات الفطرية التي تصحب الانفعالات، فكان في مبدأ أمره مجرد محاكاة إرادية لهذه الحركات ثم أخذ يتسع نطاقها تبعًا لارتقاء التفكير, واتساع حاجات الإنسان ومظاهر حضارته، وتستغني شيئًا فشيئًا عن مساعدة الإشارات.
وأول من دافع عن هذه النظرية من علماء الغرب هردر في كتابه بحوث في نشأة اللغة، ولكنه تراجع عنها فيما بعد. 
المآخذ على هذه النظرية:
على الرغم من المقبولية التي تحظى بها هذه النظرية إلا أنه يؤخذ عليها أنها تحصر نشأة اللغة في الملاحظة المبنية على الإحساس بما يحدث في البيئة ويتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة إلى التخاطب والتفاهم والتعبير عما في النفس.
لا تبين لنا كيف نشأت الكلمات الكثيرة في اللغات المختلفة وليس فيها محاكاة لأصوات المسميات وبوجه خاص في أسماء المعاني، كالعدل والمروءة والشهامة.

4- نظرية التنفيس عن النفس:

تتلخص هذه النظرية في أن مرحلة الألفاظ قد سبقتها مرحلة الأصوات الساذجة التلقائية التي صدرت عن الإنسان للتعبير عن ألمه أو سروره أو رضاه أو نفوره، وقد تطورت هذه الأصوات على مر الزمن حتى صارت ألفاظا.
أهم ما يميز هذه اللغة أنها تعزو نشأة اللغة الإنسانية إلى أمر ذاتي، أي أنها تعتد بالشعور الإنساني الوجداني، وبالحاجة إلى التعبير عما يجيش في صدر الإنسان من أحاسيس وانفعالات.
المآخذ على هذه النظرية:
يؤخذ على هذه النظرية أمران: الأول، النقص. والثاني، الغموض.
أما نقصها، فلأنها لا تبين منشأ الكلمات الكثيرة التي لا يمكن ردها إلى أصوات انفعالية.
وأما غموضها، فلأنها لا تشرح لنا السر في أن تلك الأصوات الساذجة الانفعالية تحولت إلى ألفاظ أو أصوات مقطعية.
ولذلك سخر منها مكس مولر وانصرف عنها العلماء.

5- نظرية الاستعداد الفطري:

جاء بهذه النظرية اللغوي الألماني مكس مولر وسماها DING DONG.
خلاصتها أن الإنسان مزود فطريا بالقدرة على صوغ الألفاظ الكاملة، كما أنه مطبوع على الرغبة في التعبير عن أغراضه بأية وسيلة من الوسائل، غير أن القدرة على النطق لا تظهر إلا عند الحاجة.
وقد استوحى مولر نظريته من ملاحظته الأطفال في حياتهم اليومية، التي تدل على توقهم إلى وضع أسماء للأشياء التي يرونها ولا يعرفون لها أسماء، فيبتكرون لها أسماء إرضاء لرغبتهم في التكلم والتعبير عن أغراضهم. فاستنبط من ملاحظته أن الإنسان مزود بتلك القوة التي تنشأ عنها الألفاظ.
المآخذ على هذه النظرية:
أبرز عيوبها أنها تفترض ظهور الكلمة أو الكلمات الأولى لدى الإنسان كاملة غير خاضعة لسنة التطور.
كيف ومتى زود الإنسان بهذه الذخيرة اللغوية؟
كيف انطوت نفسه على تلك الألفاظ كاملة؟
إذا كان زود بفطرته بهذه الألفاظ فلم اختلفت اللغات وتعددت اللهجات؟
كيف أخرج الإنسان تلك الكلمات من مكانها وأطلقها على الأشياء المختلفة؟

6- نظرية التطور:

ترى هذه النظرية أن اللغة تطورت وفقا لمراحل متعددة:
مرحلة الأصوات الساذجة التي صدرت عن الإنسان في العصور الأولى، حين كانت أعضاء النطق لديه غير ناضجة.
مرحلة الأصوات المكيفة المنبئة عن الأغراض والرغبات المصحوبة بالإشارات المتنوعة وقد ساعد هذا في تطور أعضاء النطق ونمو الإحساس والشعور الذاتي عند الإنسان.
مرحلة المقاطع: وفيها انتقلت لغة الإنسان من أصوات غير محددة المعالم إلى أصوات محددة في صورة مقاطع قصيرة مستنبطة من أصوات الأشياء.
مرحلة الكلمات المكونة من المقاطع: في هذه المرحلة تتكون المقاطع التي سبق الحديث عنها الكلمات أو الأصول العامة التي استعملها الانسان الأول...ثم اشتق منها الكثير من الفروع وبالتأليف بين هذه الفروع وتلك الأصول اكتمل تكوين اللغة الفطرية.
مرحلة الوضع والاصطلاح وهي أخر مرحلة من مراحل النمو اللغوي وهي وإن لم تكن مرحلة فطرية فإنها تقوم على أساس فطري، وهو حاجة الإنسان الملحة إلى الاحتكاك ببيئته.
 في هذه المرحلة وضعت الاصطلاحات العلمية وابتكرت الأسماء الدالة على المسميات المستحدثة، ولا تزال اللغة في تطور مستمر.

التحول عن النبع الأول

كل حركة في الزمان والمكان لا تولد من دون نبع يرفدها بمقومات الحياة، ويجعل منها حركة حية نابضة تمارس دورها وترفد معتنقيها بالقيم والمبادئ التي تمكنهم من القيام والانتشار، حتى تستوي على سوقها حية قوية وشامخة في زحام الوجود، وهكذا بدأ الإسلام؛ حركة ناشئة مستقية من نبع صاف متدفق أنزله الله -سبحانه- على نبيه الأكرم وفقا لحاجة الحركة والدعوة، فبدأ النبع يفيض شيئا فشيئا ليبني العقل والفكر بعقيدة راسخة كالرواسي، وكان هذا الرفد طويلا إذا ما قيس بعمر الدعوة كاملة ثلاثة عشر عاما زاخرة بالقيم والمبادئ والعقيدة التي تربى عليها جيل قرآني فريد تمثل كل معاني النبع في حياته وسلوكه حتى قدر الله التحول والتغير، ثلاثة عشر عاما شهدت مكة حركةً عميقة تموج في رحم الحركة فبنت عقولا عظيمة تحملت الكثير من العناء والمشقة والضيق فلم تفتر ولم تتراجع بل مضت قدما في سيل غامر اجتاح مكة بأكملها بعد أن أوجد له موطئ قدم في المدينة ثم توالت الخطى واشتد النبع حتى بنى دولة فتية في يثرب وأمدها بمزيد من القيم والمبادئ وزاد عليها شرائع عظيمة أسست للدولة القوية التي وحدت العرب بعد فرقتهم وجمعتهم بعد شتاتهم، وكان الأمر اللافت حينها أن ذلك الجيل الذي نشأ في حضن تلك الدولة كان جيلا قويا في المبدأ والمنشأ متماسكا في الفكر والجسد، وكان يزداد قوة طيلة المدة التي كان ينهل من نبع الحركة_ القرآن الكريم _ واستمر ذلك الجيل في مدِّه الزاخر قرونا طويلة يجتاح البلدان وينتشلها من ظلمات التيه والضلال إلى نور التوحيد والهداية وهو في مدِّه هذا لا يحيد عن النبع ولا يتنكر لمعينه، ثم أعقب ذلك بعض الجنوح فكانت النكسات والنكبات ولكنها لم تدم طويلا؛ لأن رجال هذه الدعوة كانوا دائما ما يثوبون إلى رشدهم حين يشطون عن ذلك النبع فيعودون إليه، ليستعيدوا مدهم وزخمهم من جديد، وعلى امتداد هذه المسيرة لم يشهد النبع تغيرا ولا تحولا إنما جنوحا وابتعادا ما يلبث أن ينتهي، وقد فطن أعداء هذا الدين إلى قيمة النبع وتأثيره، فبدؤوا يوجهون سهامهم صوبه ليعكروا مياهه ويُنضِبوا معينه، فظهروا علينا في هذا العصر بأفكار وتيارات وحركات ومذاهب من صنع أيديهم، ونسج عقولهم؛ لتكون بديلا عما اختاره الله للبشرية ورضيه، فجاؤوا بالشيوعية ثم الرأسمالية، واوجدوا خلالها نظما مختلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية ليضاهوا بها حكم الله، وروجوا لها بكل ما استطاعوا من وسائل، متوهمين أنها ستكون البديل عما جاء به النبع الأول، كما كانت بديلا عما ورثوه من تحريف نصراني ويهودي، ولكنهم لم يفلحوا، فالمسلمون مهما يفتنوا في حياتهم فسرعان ما يعودون إلى صوابهم، ويرجعون إلى ربهم وهذا هو مصدر قوتهم.
لكن أعداء هذا الدين لا يفترون في الكيد له، فلا يزالون يتربصون به في كلِّ زمان ومكان؛ لأنهم يعلمون حق اليقين أن المستقبل لهذا الدين، ولهذه العقيدة التي فاض بها النبع الأول، لذلك نراهم اليوم يحاولون جرَّ المسلمين_ كلَّ المسلمين بعيدا عن هذا النبع ليس بالإرغام ولكن بمحاولة تشويه النبع بعد أن عجزوا عن تعكيره، فتراهم يسلكون إلى ذلك طريقين: فكري وعسكري.
أما الطريق الأول، فله باع طويل متجدد، فقد شهد العصر الحديث خصوصا حملة استشراقية كبيرة بعثت بباحثين ومفكرين وعلماء لكي يدرسوا الإسلام والعربية ويترجموا الكثير من مصادر الإسلام بداعي الفكر والثقافة والتنوير فبدؤوا بسبر غور المصادر بدءًا من القرآن وكتب السنة والتاريخ وليس انتهاءً بكتب الأدب، ولكنها لم تأتِ ثمارها المرجوة لأنها دائما موضع شكٍ وريبة، مما حدا بهم إلى استقدام الطاقات العربية والإسلامية إلى الغرب نفسه ليغذوها بما يشتهون من تشويه وتحريف وتغريب، فتعود إلينا لتنهش في عقول أبنائنا وأفكارهم لتجنح بهم بعيدا عن النبع الأول بداعي التنوير وتارة والإصلاح تارة أخرى. وهؤلاء بدورهم أسسوا ما يسمى بالحركات التنويرية والإصلاحية وألفوا الكتب وعقدوا الندوات ... ولا يزالون ينشطون في كل المجالات وليس لتنويرهم ولا لإصلاحهم إلا ثمرة واحدة هي التخلي عن العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي واللحاق بنتاج الحضارة الغربية، وكأن الإصلاح والتنوير لا يكون إلا باتباع عقولهم الكدرة، والانسلاخ من دين الله إلى عقل البشر القاصر المنحرف عن فطرة الله!! فإذا تبعتهم فأنت المثقف والمتنور وإن تمسكت بدينك _ناهيك عن مخالفتهم_ فأنت المتخلف والرجعي!!
وأما الثاني، فهو أشد وأنكى إذ استمرت حروبهم على البلاد الإسلامية طويلا قديما وحديثا تارة باسم الصليبية وتارة باسم الاستعمار، ومع ذلك لم تفلح في القضاء على النبع الأول ولا في تعكير صفوه ولا في تشويهه، بل دفعت المسلمين دائما إلى الرجوع إليه والاستسقاء منه، وحينها عمدوا إلى إيجاد الخلافات البينية وتأجيج الحروب الداخلية التي تضعف البلاد بعد تقسيمها وتزرع العداوة والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة، ثم زادوا الحرب استعارا بإنشاء فرق متطرفة مغالية تحمل شعار القتل والذبح لتبطش بالمسلمين قبل غيرهم، وتسفك الدماء وتمعن في القتل بأبشع الصور متخذة نصوص الدين أدلة لها على القتل وهنا كادت فعلتهم تنجح في ما يرومون من تشويه النبع حين استغرب المسلمون أنفسهم كيف يُقتلون بأيدي بعضهم وباسم دينهم ؟ 
وعلى هذا المنوال يسير الأمر اليوم! كل الشنائع ترتكب ثم تنسب إلى الإسلام وتنفذ بأيدي المسلمين وينفخ الإعلام الخارجي والداخلي المستأجر تحت النار في الهشيم ليجعل الإسلام دينا بلا رحمة ولا إنسانية، فيدفع بالمسلمين أنفسهم إلى التبرم من دينهم والاستهتار بقيمه وعقائده متخذين إلى ذلك كل الذرائع التي يروجها أعلامهم.
وهذا كله ليس مهما بقدر ما سيأتي فيما لو نجح أعداء الأمة فيما يفعلونه اليوم، حين يتنكر أبناء الأمة حقا لقيمهم وعقيدتهم، فيرفضون النبع ويغفلون عنه أبد الآبدين، ولكن سنة الله غالبة، فقد وعد عبيده بالاستمكان في الأرض مهما طال الزمان وهما كثر الكيد والمكر ضدهم، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...