الأربعاء، 14 مارس 2018

إلى ولدي.. مع كل الحب

في هذا الزمان الذي يموج بالفتن والاضطرابات ويعج بالمصائب والابتلاءات لا يجد الإنسان شيئا يقدمه لابنه مثل نصيحة صادقة وكلمة معبرة هي عصارة ما يجنيه الأب من حياته طالت أو قصرت.
فالأموال قد تنفعه في دنياه وقد تقيه ذل السؤال ومرارة الحرمان ولكنها كما تسعده فقد تشقيه وقد تنقلب وبالا وشؤما عليه، وربما تورده المهالك وتبلغ به حتفه.
والأموال فتنة مؤكدة على أي وجه كانت، في الخير أو الشر، في الرخاء أو الشدة، في القوة أو الضعف، وقل من ينجو من فتنتها ومن يأتي بها من حلال محض، ويفنيها في صواب محض.
ولدي الحبيب..
لن أترك لك كنوزا ولا قصورا، لن أترك لك أموالا ولا عقارا، فأنت قادر على الفوز بها إذا احتجتها، وأنت قادر على التربع على عرش الدنيا إذا أردت ذلك بما وهبك الله من عقل وما أودع فيك من إيمان وذكاء. ولكني سأترك لك شيئا أعظم من الأموال والكنوز، سأترك لك أثرا لا يفنى بمرور الأيام، ولا ينقص بكثرة البذل، سأترك لك هذه الوصايا راجيا أن تأخذ بها وتدرك مغزاها.
وأنا إذ أقدم إليك هذه الكلمات أعلم علم اليقين أنها قد لا تنفعك في حياتي بقدر ما تنفعك بعد مماتي، فقد جرت عادة الأبناء أن يتبرموا من نصائح الآباء ويضجروا منها أشد الضجر، بل ربما يشعرون أنها قيد يضعه اﻷب في معصم ابنه بدافع التسلط أو الشعور بالفوقية الأبوية. أو فلسفة فارغة يمليها الآباء على أبنائهم بدافع الفارق الزمني والفكري بين الاثنين.
وربما يشعر الأبناء أن في نصائح الآباء شكلا آخر من أشكال العبودية القديمة التي لا تبارح مكنونات عقول البشر منذ القدم وحتى يومنا هذا.
وهذا الشعور هو الذي يدفعهم إلى التفلت منها ومن سلطة الآباء، خاصة في مرحلة النضوج الأولى من عمر الأبناء، مرحلة التحرر من كل شيء في الوجود، التحرر من تبعية القديم والتطلع إلى الجديد مهما كان مصدره لما فيه من إغراء الحداثة وبريق التطور.
ولكن هذه الكلمات سيكون لها مفعول السحر عليك بعد زمن ربما يطول وربما يقصر حين يدركني الموت، وتواريني الثرى بيديك، وتفقدني دون أدنى أمل بالعودة، فحينها ستتشبث بكل شيء من أثري وسيدفعك الحب وقتها، ويدفعك الشوق والوفاء فتعيد شريط الذاكرة على عجل وتحاول استذكار كل كلمة قلتُها، وكل نصيحة لم تصغِ لها، وكل لحظة قضيتَها معي، فترى للمرة الأولى أنها كانت نابعة من قلبي، وصادقة في نصحك وارشادك، سوف تشعر حينها كم فاتتك من أوقات تود لو أنها لم تفلتْ منك، سوف ترى أن كل شيء يمكن أن تتشبث فيه في هذه اللحظات سيكون نبراسَك في ما بقي من حياتك لتنير به طريق المستقبل، ولتورثه لأبنائك من بعد، فهذا هو طبع الإنسان يا ولدي يقدس الأموات أكثر من الآحياء، ويقدس ما تركوا بعد موتهم ويتجاهل كل شيء منهم وهم ما زالوا على قيد الحياة.
إن الموت يا بني ليس نهاية الحياة بالنسبة لي ولكل مؤمن بالله، فهو بوابة العبور إلى حياة أخرى أجل وأعظم، ويكفيني منه أنك ستأخذ كلماتي حينها على محمل الجد وسترى أنها كانت لك خالصة من قلب أبيك لكي تكون بعدي على المحجة البيضاء، فلا تزيغ عنها ولا تهلك.
من أجل هذا كله سأكتب لك ما دمت على قيد الحياة، سأكتب لك كلَّ ما أحببته لنفسي، وكلَّ ما آمنت به، وكلَّ ما أرجو أن يكون سببا في إسعادك في الدنيا والآخرة، سأكتب لك لكي لا تتيه في حياتي ولا بعد موتي، كي تجد كلماتي ماثلة أمامك كلما جد في حياتك جديد، وكلما وقفت فيها حائرا تبحث عن طريق الحق وجادة الصواب، سأكتب لك لكي أبقى موجودا في حياتك بقلمي وكلماتي، وستجد فيهما صديقا وفيا وناصحا أمينا، ورفيقا لصيقا، لا يتخلى عنك في دروب الحياة.
سأكتب لك لكي لا تنسيك الأيام أباك، لكي تذكرني إذا طال الفراق وشطت بك الذكريات في ليالي الشوق، ودياجير الظلام.
فخذ يا ولدي ما سيأتيك مني، ولا تفرط فيه واقرأه مرارا وتكرارا خذه ممزوجا بحبي وشوقي إليك، معجونا بدموعي، ومصحوبا بخوفي عليك وأملي فيك.
.والدك المحب
السليمانية 13/3/2018

الأحد، 4 مارس 2018

رن المنبه كثيرا


على غير عادته لم يستيقظ هذا الصباح على الرغم من صوت المنبه الذي رنّ مرات عديدة، وكان كلما سمع صوته أوقفه على الغفوة وعاد إلى النوم من جديد، ثم ما لبث أن تنبه لشأنه فقام فزعا مذعورا فباص العمل يوشك أن يصل ومنبه الباص يوشك أن يدوي في أرجاء المنطقة، فألقى الغطاء الدافئ عنه وترجل من سريره مسرعا، وهو هائم على وجهه لا يدري بماذا يبدأ، هل يعد إفطارا سريعا؟ أو يدهم الحمام على عجل؟ أو يختار الملابس المناسبة لهذا اليوم فقد نسي تجهيزها بالأمس لأنه عاد متأخرا قبل منتصف الليل بقليل، فاختار ذلك القميص الأبيض المعلق في طرف الدولاب ليُسْر تناوله، ولبس جوربين مختلفين دون أن يشعر، وحينها دوى صوت منبه الباص بباب المنزل، فتناول حقيبة العمل وهرع إلى الباب دون أن يضع تلك الأوراق المهمة التي كان من الواجب عليه الانتهاء منها هذا اليوم وإحضارها إلى العمل، ثم ركب الباص في اللحظة الأخيرة قبل انطلاقه، وجميع من في الباص ينظر إليه شزرا وفي عينيه ألف علامة استفهام عن هذا التأخير الذي أزعج الجميع، وحين وصل إلى محل عمله كان المدير بالانتظار ليحاسبه ويوبخه على ما أهمل من عمله.
يا ترى من هذا الرجل؟
ولماذا أهتم لشأنه؟
أتدرون من هذا الرجل؟
إنه أنا وهو وهم وأنت يا من حالك يشبه حالي وأنتم يا من تشبهون حالنا!!
والمنبه هو الأحباب الذين رحلوا أمام أعيننا وقد سبقونا إلى الآخرة
هو المرض الذي يصيبنا!
هو ضعف أبداننا !
هو انحناء ظهورنا!
هو الشيب الذي يشتعل في رؤسنا يوما بعد يوم!
وأما الباص فهو الموت الذي قد يصل في أي لحظة، وعليك أن تكون جاهزا.
وهؤلاء الذين في الباص هم من حولك ممن يحبك أو يبغضك وكلهم سيشيعك.
وتلك الملابس والأوراق هي العمل الذي لم نبالِ به.
ونحن طالما نمنا على وسائد الغفلة، وتجاهلنا كل المنبهات التي رنت في حياتنا، ونسينا ترتيب أوراقنا وتهيئة العمل الذي سنلقى به الله يوم القيامة، وهو سبيل نجاتنا، ولكن الخبر السار أن الباص لم يأت بعد ونحن لا نزال على قيد الحياة، ولا يزال بإمكاننا الاستيقاظ من تلك الغفلة التي نغط فيها، ولا يزال بإمكاننا أن ننجز واجباتنا كي لا يوبخنا رب العمل ونحفظ ماء وجوهنا، ولو كان الأمر يقف عند التوبيخ لكان هيِِّنا ولكنها جنة أو نار.
فهنيئا لمن وعى لصوت المنبه واستيقظ في الوقت المناسب، وأعدَّ من العمل ما يبلغ به مطمحه، وكان مستعدا للباص متى ما وصل.

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...