السبت، 13 يناير 2018

الأنداد


قال الله تعالى في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ).
الندّ: الضد والشبيه والمِثل.. وعلى هذا المعنى كان عرب الجاهلية الأولى يشركون بالله، ويتخذون من دونه أندادا شركاء يعبدونهم من دون الله، أصناما وأوثانا يجهرون لهم بالعبادة ويقدسونهم ويحبونهم، فقد كان الأنداد (على عهد المخاطبين بهذا القرآن أحجاراً وأشجاراً، أو نجوماً وكواكب، أو ملائكة وشياطين.. وهم في كل عهد من عهود الجاهلية أشياء أو أشخاص أو شارات أو اعتبارات.. وكلها شرك خفي أو ظاهر، إذا ذكرت إلى جانب اسم الله، وإذا أشركها المرء في قلبه مع حب الله. فكيف إذا نزع حب الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحب الذي لا يكون إلا لله)؟ فكان التمييز بين الجاهلية والإسلام أن المؤمنين يحبون الله ويوحدونه أكثر من حب المشركين لأندادهم، «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ»، فلما كان المؤمنون يفردون الله تعالى الإله الحق بالوحدانية، ويقرون له وحده بالعبودية، لما كانوا كذلك هان عندهم كل ما سواه، وخرج من قلوبهم كل ما سواه، فسمت قلوبهم بحبه، ورقت عقولهم بالإيمان به، فبذلوا أموالهم وأرواحهم رخيصة دون دينه وعملا بطاعته وابتغاء لجنته، فسادوا الأرض ومزقوا ممالك الكفر، ودول الباطل.
وهذا الحب الذي لا يرضاه الله إلا له إنما هو حقيقة مطلقة في الدنيا والأخرة، حقيقة مستمدة من قوة الله الحق، فالله وحده هو المستحق للحب المطلق؛ لأنه هو وحده صاحب القوة المطلقة في هذا الكون، ولكن المؤمنين وحدهم من يدركون هذه الحقيقة، أما المشركون فسيدركونها بعد فوات الأوان، بعد أن يروها ماثلة أمام أعينهم، (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا- إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ- أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً، وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ)، أدركها أولئك المؤمنون بإيمانهم لله، وبحبهم له، وبانقيادهم لدينه، فاستخلفوا الأرض واستعمروها باسم الله، وجهلها أولئك المشركون في جاهليتهم فخسروا جراءها الدنيا والآخرة.
أما الجاهلية الجديدة فقد فاقت كل ما سبق، إنها جاهلية نمت وترعرعت على أيدي المسلمين أنفسهم، حين خلعوا عنهم ربقة الطاعة والامتثال لأمر الله في جوانب حياتهم أجمعها عقيدة وعبادة وأخلاقا ونظما! خلعوا ربقة العقيدة حين تنازلوا لأهل الباطل ورضوا بباطلهم وانصاعوا له من دون الله، فاستقوى الباطل وأهله على الإسلام وأهله، فاستحر القتل والظلم والذل والاستعباد في بلاد المسلمين، وانتهكت كل حرماتهم، وصار الباطل دولة، وظن أهله أنهم على الحق المبين! خلعوا ربقة العقيدة حين أخلصوا حبهم لغير الله، لقبائل، وأحزاب، وقادة، وكيانات، فاتخذوها أندادا يمجدونها ويقدسونها مضاهاة لشعائر الله وهم لا يشعرون، ويدينون لها بالولاء والطاعة التي لا تنبغي إلا لله، في الحق على قلته، والباطل على كثرته، وإذا ما دعوا إلى شعيرة من شعائر الله، اثّاقلوا وتنصلوا، إن لم ينكروا ويجحدوا.
فكان ذلك كله سببا في استقواء الباطل على حين غفلة من أهل الحق، واستنزاف كبير في دار الإسلام المستباحة على مختلف المستويات، وبلغ الحال ببعض المسلمين أن يستنجد بأهل الباطل وفِرَق الضلالة حين يئس من نصرة أهل الحق، وبعضهم يرنو إلى نصرهم ونصرتهم على أبناء جلدته، وما كان هذا ليكون لولا خواء قلوبهم من حب الله الحق، واتباعهم لمن هم دونه، وسيرون بعد حين كما يرون اليوم كيف يتبرأ الأنداد ممن اتبعوهم؟ فأهل الباطل لا يرتضون من أهل الحق انقيادا في خنوع، بل يسعون إلى إفنائهم عن بكرة أبيهم، هذا شأنهم في الدنيا وفي الآخرة كذلك يفعلون، (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ). ولن تنفعهم الأماني في الآخرة، كما لا تنفعهم في الدنيا فقد سبق القول وحق وعد الله، (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا! كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ، وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
وكذلك القول عينه في اتباع الأنداد في العبادة والأخلاق والنظم.

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...