الخميس، 8 أغسطس 2019

لسان ذاكر لله

الإيمان يأتي مع البساطة والفقر بسهولة كبيرة، فيعلق بالقلب؛ لأن القلب حينها غير منشغل بعوالق الدنيا وملذاتها التي تكثر مع الغنى، فتكدس على القلب رينها وشؤمها، فإذا انسلخ القلب من الدنيا توجه إلى الله بكليته وأقبل عليه وظهرت آثاره على الأبدان: طاعة الجوارح، وذكر اللسان، هذا ما رأيته اليوم في رجل بسيط فلاح يعيش في قرية بعيدة عن الحواضر في نوائي المغرب، وبيته لا يكاد طابوقه يستتر عن الأنظار بشيء، فيه سلم لا يحمل من اسمه إلا تعرج الدرجات أما أرضه فقد تصلب ترابها من طول الزمان وتزاحم الأقدام،  




نظيفة بهية لها رونق عجيب ينسيك رخام المنازل المتطاولة في البنيان، وموقد بدائي، وتنور في زاوية المنزل تكسو قاعه فرشة من الحصى يعلوها ركام العجين فتعلق فيه عند نضجه، رأيته في برنامج وثائقي يزرع الزعفران ويصبر عليه ثم يجنيه فيحصد من الكيلوغرامات من زهور الزعفران بعضا من الغرامات ويبيعها بدولارات معدودة ويعود راضيا طيبة نفسه بما كسب يحمد الله على ما رزقه، وما شدني إليه هو لسانه الذي لا ينفك عن ذكر الله، فلا يكاد يفعل شيئا إلا ويقول بسم الله يا ألله الحمد لله إن شاء الله، أمسك بعلبة الزعفران فقال بسم الله، حدث ابنه قبل خروجه فقال أنا ذاهب إلى السوق إن شاء الله ... وهكذا طوال فترة ظهوره وهو يلهج بذكر الله فتعجبت لأمره سبحان الذي أسكن في قلبه كل هذا الإيمان. فلقد نشاهد أناسا في التلفاز ونسمع عن غيرهم في المجتمع يملكون كل شيء، حيزت لهم الدنيا بقرنيها ولكنهم متجهمون عابسون لا يتوقف لسانهم عن الشكوى والتذمر وعدم الرضى، وما ذلك إلا لأنهم فقدوا لذة الإيمان بخالقهم وخسروا نعمة الرضى والقناعة، يشكون أمام كل الناس حتى لتظن أنهم يستحقون الصدقة مع ما هم فيه من النعمة والثراء، فسبحان من منع ذاك وفرة الرزق وأعطاه حلاوة الإيمان، وأعطى هؤلاء وفرة الرزق ومنعهم حلاوة الإيمان.

السعي إلى الجنة

كل إنسان ذي فطرة سليمة يؤمن بالله، ويؤمن باليوم الآخر حتى وإن لم يلقن ذلك، والمؤمنون لا شك عندهم ولا ريب في هذا، ولكن السعي من أجل النعيم في ذلك اليوم يتفاوت فيه الناس تفاوتا كبيرا، فمن تناقضات الإنسان العجيبة ومفارقاته الغريبة، أنه يريد الجنة وهو لا يعمل لها شيئا، أو ربما يعمل قليلا ويغتر بعمله فيطمع في الكثير، فيحلم بالجنان وهو أبعد ما يكون عن سبلها، ويخشى النار، ويظن نفسه بعيدا عنها وهو متوغل في دروبها يرتع من مواردها، ويظن أن الجنة له بل ربما له وحده، وهو يؤثر راحته على طاعة ربه، بل يؤثر شهواته على تعاليم دينه، ويطلق العنان لفلتات لسانه حتى يتطاول على خالقه، ثم يحسب نفسه في الصالحين، وإذا حضرت صلاة ونودي لفرض يضيق صدره ويشمئز وجهه، ويتكدر صفوه، فيدعها دون كل شيء وراء ظهره، ويظن أن راحة الدنيا أولى وأجدر، بلسان حاله لا مقاله، ثم تراه ينتقد هذا العالم أو ذاك الملتزم ويسلقهم بألسنة حداد، حتى لتشعر أنه أفضل منهم دينا وأحسن استقامة، وأنه حامي حمى الدين والذائد عنه، وهو من أشد الناس هدما وتعطيلا لدين الله، ولأحكام دينه، وما هو إلا مغتر بحلم الله ونعمه، وهو يذكرني بقول الشاعر: ترجو السلامة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس.
فلا نجاة بلا جهد، ولا فوز بلا سعي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
«وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن من آثر الراحة فاتته الراحة، وإن بحسب ركوب الأهوال وإحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا ... وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلا، كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل كما قال المتنبي:*
*وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام»* مفتاح دار السعادة (2/ 15)
فالمؤمن لا يعرف الراحة في الدنيا، لأنها دار ابتلاء واختبار ورحيل لا دار لهو وأنس، وإنما الراحة فيها مقدورة بقدر استجماع القوة لمواصلة العمل ولذلك قال الله تعالى:(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) فمن يرد الآخرة يجب أن يسعى لها سعيها، والإيمان أينما ذكر في القرآن كان مقرونا بالعمل الصالح لا اللهو ولا المتعة، ولا الإيغال في الملذات، فهذا هو شأن الإيمان إذا وقر في القلب صدقه العمل، وانطوى عليه اللسان مقرا به، وهذا هو شأن المؤمن لا يفتر عن العمل، ولا يحسن الظن بنفسه، بل يتهم نفسه، ويظن فيها التقصير، قيل للإمام أحمد:(متى يرتاح المؤمن؟ قال عند أول قدم يضعها في الجنة). عندئذ فقط يرتاح المؤمن، ويأمن سوء العواقب.
اللهم ارزقنا الجنة ويسر لنا مسالكها، وثبتنا على دينك وجنبنا النار والاغترار بحلمك ونعمتك، ولا تقبضنا إلا وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين.

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...