الثلاثاء، 27 سبتمبر 2022

كتاب سيبويه، وأهميته في الدراسات النحوية.


قصة تأليفه



يظهر جليا لكل من يقرأ الكتاب أنّ سيبويه لم يضع لكتابه مقدمة ولا خاتمة ولم يسمه أصلا، ولو كان فعل ذلك لشاع وانتشر بين الناس لما حظي به من الشهرة والانتشار. وربما يكون هذا لأحد الأسباب الآتية:
vكان ينوي الرجوع إليه لإكماله .
vشغله شيء آخر عنه .
vكتبه على عجل .
vفقد منه شيء لسبب ما.

vربما يؤيد السبب الأخير خبر زواجه.
vألف شطرا من كتابه في حياة شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي.

             وقد يؤيد هذا الأخير ما رواه ابن قاضي شهبة أنّ سيبويه تزوج جارية بالبصرة وأنّه قد انشغل عنها بتأليف كتابه وتصنيف أوائل أبوابه في خرارات وقطع جلود، فكان منقطعا إليه منشغلا عنها وهي مشغوفة بحبه، فترصدت خروجه إلى السوق لبعض حاجته فانتهزت الفرصة ، فأخذت جذوة من نار فألقتها في الكتب حتى احترقت، فلما رجع سيبويه ورأى كتبه أثرا بعد عين أغشي عليه أسفا، ثمّ أفاق فطلقها. ثمّ عاد فأنشأ الكتاب من جديد وعن أبي علي أنه قال: وذهب منه علم كثير أخذه عن الخليل فيما أحرق له . ففي هذه الرواية إن ثبتت تفسير لما يُرى في الكتاب من نقص وعجلة في تسمية الأبواب وتوزيع الموضوعات، ولعله سبب أيضا لتأخير ظهور الكتاب إلى ما بعد وفاته.

انتشار الكتاب

ورث أبو الحسن الأخفش علم سيبويه وكتابه، وربما حاول الاستئثار به ونسبته لنفسه، فتفطن لذلك أبو عمر الجرمي، فبذل له المال ليقرأ عليه الكتاب هو وأبو عثمان المازني، فقبل.
ثم تتابع أخذ الكتاب، فقد قرأه الكسائي والسجستاني على الأخفش، وقرأه الرياشي والدينوري على المازني، وقرأه التوزي على الجرمي، وبدأه المبرد على الجرمي وأتمه على المازني، ثم انتشر بين أهل العلم وطلابه لاحقا عن سابق، وبلدا عن بلد، وزمانا عن زمان.

أهمية الكتاب

تبرز أهمية الكتاب في كونه أقدم كتاب نحوي وصل الينا مكتملا.
قال صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس:
لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها، فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب:
أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك.
والثاني: كتاب أرسطاطاليس في علم المنطق.
والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي.
فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له 

- كان لسيبويه بهذا الصنيع فضل كبير في حفظ علم شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي.
 - يسميه بعض القدماء تجوزا "قرآن النحو" وسماه آخرون "البحر" فكان المبرد إذا سأله أحد أن يقرأه عليه يقول له: هل ركبت البحر .

وصار بحق أعظم هدية تقدم إلى الملوك والوزراء والوجهاء 
 وكان المبرد يقول: لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثله .
وكان أبو عثمان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي مما أقدم عليه .

من أقوال المحدثين فيه كلام الأستاذ علي النجدي في سيبويه وكتابه حيث يقول: "هذا هو السفر العظيم الذي أقامه العالم الجليل في ساحة الخلود أثرا، وأرسله مع الأيام ذكرا، وادخره للعربية كنزا، وندبه في العالمين شاهدا على براعته فيها، ونفاذه إلى أسرارها، وإمامته في الاشتراع لها، وضبط أصولها، على نحو يعز نظيره في الأولين والآخرين: شمول إحاطة، وبراعة أستاذية، وسلامة تحليل، وصدق نظر، وصحة حكم" 

شبهات في نسبة الكتاب

  القول بأخذ سيبويه فكرته ومادته عن غيره.

قال أبو العباس ثعلب: اجتمع على صنعة كتاب سيبويه اثنان وأربعون إنسانا منهم سيبويه، والأصول والمسائل للخليل" .
وهو قول لا يعرف عن سوى ثعلب، وهو مردود بنفسه .

القول بأن الأصول والمسائل للخليل وحده، فجوابه كالآتي: 

- لم ينكر سيبويه أنّه أراد بهذا الكتاب حفظ علم الخليل رحمه الله كما سبق ذكره، فمن المؤكد أنّه تضمن الكثير من علم الخليل، وما فقد منه ربما يكون أكثر مما دُوِّن. 

- بين وفاة سيبويه ووفاة الخليل عشرون عاما تقريبا، فلا شك أن سيبويه قد أخذ الكثير في هذه المدة الزمنية الطويلة عن غير الخليل. 


- إن من يقرأ الكتاب يجد فيه شخصية المؤلف واضحة جدا؛ جامعا وناقلا عن دراية، ومحققا، ومناقشا، ومحللا، مما ينفي كون الرجل معتمدا على الخليل جملة وتفصيلا في تأليف كتابه. 
ويتصل بما تقدم تقوُّل آخر على الكتاب، وهو أن أصله مأخوذ من كتاب آخر يسمى "الجامع" لعيسى بن عمر وهو مردود أيضا بما سبق.

* أصل هذه المقالة حلقة نقاشية جامعية.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...