الخميس، 8 أغسطس 2019

السعي إلى الجنة

كل إنسان ذي فطرة سليمة يؤمن بالله، ويؤمن باليوم الآخر حتى وإن لم يلقن ذلك، والمؤمنون لا شك عندهم ولا ريب في هذا، ولكن السعي من أجل النعيم في ذلك اليوم يتفاوت فيه الناس تفاوتا كبيرا، فمن تناقضات الإنسان العجيبة ومفارقاته الغريبة، أنه يريد الجنة وهو لا يعمل لها شيئا، أو ربما يعمل قليلا ويغتر بعمله فيطمع في الكثير، فيحلم بالجنان وهو أبعد ما يكون عن سبلها، ويخشى النار، ويظن نفسه بعيدا عنها وهو متوغل في دروبها يرتع من مواردها، ويظن أن الجنة له بل ربما له وحده، وهو يؤثر راحته على طاعة ربه، بل يؤثر شهواته على تعاليم دينه، ويطلق العنان لفلتات لسانه حتى يتطاول على خالقه، ثم يحسب نفسه في الصالحين، وإذا حضرت صلاة ونودي لفرض يضيق صدره ويشمئز وجهه، ويتكدر صفوه، فيدعها دون كل شيء وراء ظهره، ويظن أن راحة الدنيا أولى وأجدر، بلسان حاله لا مقاله، ثم تراه ينتقد هذا العالم أو ذاك الملتزم ويسلقهم بألسنة حداد، حتى لتشعر أنه أفضل منهم دينا وأحسن استقامة، وأنه حامي حمى الدين والذائد عنه، وهو من أشد الناس هدما وتعطيلا لدين الله، ولأحكام دينه، وما هو إلا مغتر بحلم الله ونعمه، وهو يذكرني بقول الشاعر: ترجو السلامة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس.
فلا نجاة بلا جهد، ولا فوز بلا سعي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
«وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن من آثر الراحة فاتته الراحة، وإن بحسب ركوب الأهوال وإحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا ... وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلا، كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل كما قال المتنبي:*
*وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام»* مفتاح دار السعادة (2/ 15)
فالمؤمن لا يعرف الراحة في الدنيا، لأنها دار ابتلاء واختبار ورحيل لا دار لهو وأنس، وإنما الراحة فيها مقدورة بقدر استجماع القوة لمواصلة العمل ولذلك قال الله تعالى:(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) فمن يرد الآخرة يجب أن يسعى لها سعيها، والإيمان أينما ذكر في القرآن كان مقرونا بالعمل الصالح لا اللهو ولا المتعة، ولا الإيغال في الملذات، فهذا هو شأن الإيمان إذا وقر في القلب صدقه العمل، وانطوى عليه اللسان مقرا به، وهذا هو شأن المؤمن لا يفتر عن العمل، ولا يحسن الظن بنفسه، بل يتهم نفسه، ويظن فيها التقصير، قيل للإمام أحمد:(متى يرتاح المؤمن؟ قال عند أول قدم يضعها في الجنة). عندئذ فقط يرتاح المؤمن، ويأمن سوء العواقب.
اللهم ارزقنا الجنة ويسر لنا مسالكها، وثبتنا على دينك وجنبنا النار والاغترار بحلمك ونعمتك، ولا تقبضنا إلا وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...