الأحد، 7 يوليو 2019

تفاءلوا...فإن نصر الله آتٍ.



ما يمر به المسلمون اليوم في كثير من بلدانهم صعب جدا بجميع المقاييس؛ حروب، وقتل، وتهجير، وتسلط الطغاة وأعوانهم على مقدرات المسلمين وثرواتهم وسط حاجتهم إليها، وأصعب من هذا كله ما يحدث الآن من تآمر خبيث بين حكام المسلمين الخونة وبين أعداء الله من يهود ونصارى فيما يسمى بصفقة القرن التي سيتنازلون بموجبها عن المزيد من أرض فلسطين الإسلامية وسيدفعون ثمنا لذلك من أموال المسلمين أنفسهم، وما خفي أعظم...
هذا كله جعل الكثير من المسلمين يشعرون باليأس والإحباط ويتوقعون كل شيء سيء في قابل الأيام، لذا أحببت أن أضيء شمعة أمل، وأرسل بصيص نور من تفاؤل، علّ النفوس تستريح والقلوب تطمئن.
في هذا النفق المظلم الذي لا تعرف نهايته لابد لنا من تفاؤل يبعث في قلوبنا الأمل وهكذا كان حال الأنبياء وهم خير خلق الله تعالى، فقد عانوا من قبل الكثير و (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوآ معه متى نصر الله) ولكنهم مع هذا يتفاءلون بنصر الله ويصبرون على الأذى والبلاء ويدفعون به اليأس والقنوط، فهذا يعقوب عليه السلام يفقد بعض أولاده فلا ييأس بل يأمر أولاده بالصبر والتفاؤل وعدم اليأس فيقول: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ويقول حين اشتد البلاء (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) وهذا أيوب يبتلى بفقد الأهل والأولاد فيصبر ويدعوا ولا يقنط، وكذلك سائر الأنبياء يصبرون ويتفاءلون بفرج الله ونصره، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يشتد عليه وعلى أصحابه الأذى في مكة فيأتيه خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ  في صحراء مكة, التي كانت تلفح بالحر الشديد، وكان خباب لا يزال دون العشرين من عمره, وهو من أوائل من آمن بدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأظهر إسلامه، وكان ـ رضي الله عنه ـ مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، فلما علمت بإسلامه عذبته بالنار، وكانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ورأسه، ليكفر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانا، وكذلك كان المشركون يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا شحم ظهره فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول ألا تستنصر لنا ألا تدعوا لنا؟ فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم بصبر ويقين وتفاؤل: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) ( البخاري ) وما سراقة عن موضوعنا ببعيد فقصته مشهورة حين طارد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق طمعا بجائزة قريش فيأتيه الوعد من النبي بسواري كسرى ويلبسهما في زمن عمر رضي الله عنه. وما هذا الإيمان والتفاؤل إلا عن يقين بوعد الله تعالى وتصديقا به في مواضع عديدة من كتابه الكريم ، قال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) هذا الوعد الذي لا يخلف، هذا الوعد الذي آمن به رسول الله وصحبه ومن سار على نهجهم وهي سنة الاستخلاف في الأرض التي لا تتبدل ولا تتغير متى ما التزم بها المسلمون استخلفوا في الأرض ومكنوا دين الله الذي ارتضى لهم ونالوا الأمن بعد الخوف ليوحدوا الله سبحانه لا يشركون به شيئا، وشروط الاستخلاف اثنان هما الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان ليس مجرد كلمات نرددها، ولا تراتيل ننشدها، بل هو اعتقاد وعمل، قول وفعل، وقد قرن الله تعالى الإيمان بالعمل في أغلب الآيات التي وردت في القرآن. وفي طريق الاستخلاف والتمكين هناك عدو يتربص بالإسلام والمسلمين وله أعوان من أبناء جلدتنا قد نبذوا مبدأ الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين والمشركين وطرحوه بعيدا فاتخذوا بطانة من غير المسلمين بل اتخذوا من عدوهم وليا لأمرهم، وهذا العدو المزدوج هو من يصول ويجول اليوم في بلاد المسلمين ويمكر بهم ويصد المسلمين عن دين الله فيعقدون القمم الخبيثة واللقاءات المريبة لكي يتآمروا على المسلمين وعلى دينهم وعلى أرضهم فيصفعون المسلمين صفعة القرن بتعاون الخونة ممن يدعون الإسلام من الحكام والطغاة الذين تسلطوا على رقابنا وثرواتنا، ولكن خابوا وخسروا فهذا الدين منصور بإذن الله ومشيئته، وسينفقون هذه الأموال ثم تكون حسرة عليهم كما وعد الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) وقد صدق الله فقد أنفقت أميركا وأوربا مليارات الدولارات في العراق وأفغانستان لتكبح قوة الإسلام ولتطفئ جذوته ولكنها لم تجنِ من ذلك إلا الخيبة والويلات والجنائز التي عدت بالآلاف وهي تشحن سرا من القواعد الأميركية إلى واشنطن، نعم نلنا نحن من الخسائر الكثير وتجشمنا الكثير ولكن إيماننا لا يتزعزع بأن هذا كله إنما هو سنة الابتلاء قبل التمكين ويجب علينا الصبر والاستمرار في اتباع طريق الحق والعدل الذي أمرنا الله به (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) فنحن نصبر على ما أصابنا لننال وعد الله فنحن نرجوا جنة عرضها السموات والأرض وهم وقود النار، فالصبر على البلاء جزء من معالم السير في طريق التمكين، وقد (سأل رجلٌ الشافعيَّ فقال : يا أبا عبد الله ، أيما أفضل للرجل أن يُمكن أو يُبتلى ؟ فقال الشافعي : لا يمكن حتى يُبتلى ، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فلما صبروا مكنهم ، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة). الفوائد لابن القيم ٢٦٩. وهذه هي النتيجة الحتمية الوعد بالنصر والتمكين بعد الابتلاء والألم والصبر (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ). ولكن التفاؤل يتطلب عملا وحركة دائبة لنصرة هذا الدين، وترك الخمول والإحباط والكسل، وترك الركون إلى الدنيا واللهاث وراء شهواتها ونزواتها المحرمة والتقلل حتى من المباح الذي يجنح بالعاملين بعيدا عن الهدف، فإن الهدف الأسمى قبل التمكين وبعده هو الجنة، فلا يضير من سبق إليها أن يمكن أو لا يمكن ما دام قد صرف العمر في هذا السبيل وسعيا وراء هذا الهدف، فالجنة هي سلعة الله الغالية التي يطمح إليها المؤمن ووعد الله بالنصر حاصل بنا أو بغيرنا الآن أو غدا أو بعد غد، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ولا أهلكهم بسنة بعامة ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها أو قال بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)(سنن أبي داوود ٤٢٥٢) فملك هذه الأمة بالغ ما بلغ الليل والنهار ولا خوف عليها من أعدائها فهم لا يسلطون علينا ولا يضروننا إلا أذى مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأينا أذاهم في هذه السنوات التي مرت ورأينا بعض من يدعون الإسلام وهم يوغلون في دماء المسلمين ورأينا الأئمة المضلين ورأينا قبائل من العرب تلحق بالمشركين وتبني معابد لبوذا في جزيرة العرب، وبعد هذا كله نعوذ بالله من الكذابين الثلاثين ونرجوا الله أن يلحقنا بالطائفة المنصورة ويثبتنا على الحق إنه مولانا ونعم النصير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...