السبت، 11 يوليو 2020

كلمةٌ في الغُلوِّ والتَّطرُّفِ والتَّنطُّعِ.

من أعجب العجب في هذا الزمان أن يُتهم الإنسانُ الملتزمُ بدينه بالتطّرف والتشدُّد والغلوّ، لا لشيء إلا لأنّ من يتهمه بهذا بعيدٌ كلّ البعد عمّا فرضه الله عليه، بل إنه يخوض في وحل المعاصي، ويتّبع هوى نفسه، ورُخصَ المُضلِلِين الذين لم يُبقوا من حدود الله شيئا إلا تعدوه زورا وبهتانا، فما هو الغُلوُّ والتطرُّفُ الذي نُهينا عنه؟ 
يُجيب عن هذا السؤال الشيخ ابنُ بازٍ رحمه الله قائلا:
‏الحد الذي إذا زاد عليه في الدين يعتبر غلوا هو الزيادة عن المشروع، والغلو هو: التعمق في الشيء والتكلف فيه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو فقال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. ا.هـ
ولعل قصة الثلاثة الذين استقلوا عبادة النبي ﷺ شاهد واضح على الغلو والتطرف، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، فعن أنس - رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبِروا بها كأنهم تقالوها؛ فقالوا : أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ ! .

فقال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال الآخر : أنا أصوم النهار أبدا ، ولا أفطر . وقال الآخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ ! أما والله إنّي لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكنّي أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " متفق عليه .
هذا هو الاعتدال: أن تتبع النبي فيما أنزل عليه ولا تبالغ فيه فتُحَرِّم ما أباحه الله حتى ولو كان على نفسك، هذا هو دين الله كما أُنزل على محمد ﷺ وهو أعرف الناس بالله، وليس الاعتدال ترك الدين بفرائضه وسننه وحدوده، بحجة نبذ التطرف أو توخي الاعتدال، بل هو التمسك بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ولو لم يُرضِ ذلك أهلَ الفسوق والعصيان، فهذا هو الاختبار الحقيقي للمؤمن، أن يتمسك بدينه ولو تركه كل الناس، ويقبض على الجمر إرضاء لله، ولا تغرُّه الدنيا ولا دعاة جهنم. وإنّ الذين يدَّعون الاعتدال بالتحايل على حدود الله وتأويلها بعيدا عن مُراد الله ورسوله فأولئك هم المُتطرِّفون المتنطِّعون في الباطل، والمبالغون في اتباع أهوائهم وشهواتهم، ﴿ أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾[ الجاثية:  ٢٣ ].
اللهم اهدنا للحق وثبتنا عليه ولا تمتنا إلا على الإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعانة الكفار على المسلمين

الملخص: من نواقض الإسلام التي يحكم بردة صاحبها مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَ...