الأصل في الأسماء أنها معربة، وتتأثر بالعوامل المختلفة الداخلة عليها رفعا ونصبا وجرا، ولكن الأسماء قد تبنى، فتلزم حالة واحدة شأنها كشأن المبنيات الأخرى، وهذا التحول من الإعراب إلى البناء شرطه أن يشابه الاسم أحد المبنيات لكي يبنى مثله، والذي عليه جمهور النحاة أن الأسماء تبنى حين تشابه الحروف( ينظر: المقتضب 3 /171 ،309، وكتاب الأصول 1 /50)، والحروف كما هو معلوم مبنية في الأصل، قال ابن مالك( متن ألفية ابن مالك ٢):
وَالِاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي
لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي
ووجه المشابهة بين الاسم المبني هنا والحرف هو ما يعرف بالشبه الاستعمالي عند النحاة، وهو مختص بأسماء الأفعال، ومفاده أن يستعمل الاسم استعمال الحروف، فيلزم وجها واحدا من وجوه الحروف الدالة على المعاني، فينوب الاسم عن الفعل في المعنى والعمل، ولا يدخل عليه عامل فيؤثر فيه لا لفظا ولا محلا( ينظر: أوضح المسالك 1 /32، وشرح التصريح 1 /44.)، وهو ما عناه ابن مالك بقوله(متن ألفية ابن مالك 2 ):
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلا
تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا
هذا هو السبب الرئيس لبناء أسماء الأفعال عند كثير من النحاة، فأسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال فتؤثر في غيرها، فهي كالنائبة عن الفعل لكن من غير تأثر، فهي لا تخضع لتأثير عامل من العوامل وتلزم حالا واحدة، وهذا هو عمل الأحرف المشبهة بالفعل "إن وأخواتها" فهي تقوم بعمل الأفعال، فترفع وتنصب دون أن يدخل عليها عامل من العوامل فلما تشابه الاثنان بني الاسم لمشابهته الحرف المشبه بالفعل.
وذهب بعض النحاة إلى أن سبب بناء أسماء الأفعال يرجع إلى وقوعها موقع المبني في الأصل وهو الفعل فلما نابت عنه أسماء الأفعال وعملت عمله شابهته من هذا الوجه فبنيت مثله. ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (تحقيق: إ. يعقوب) 3 /11، وشرح الرضي 3 /83.
وذهب بعض النحاة وعلى رأسهم ابن جني(ينظر: الخصائص 2 /300، 3 /49. ) إلى أن المشابهة قائمة مع الحرف لكنه ليس الحرف المشبه بالفعل، بل هو لام الأمر، فابن جني يرى (أن علة بنائها إنما هي تضمنها معنى لام الأمر، ألا ترى أن صه بمعنى: اسكت، وأن أصل اسكت: لتسكت؛ كما أن أصل قم: لتقم، واقعد: لتقعد. فلما ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت)(السابق نفسه ) وبقية أسماء الأفعال محمولة عليه ليجري الباب كله على سنن واحد. إلا أن الشاطبي ردّ هذا المذهب لأن فيه أمرا مرجوحا (وهو جعل العلة خاصة ببعض المبني وسائره لا علة فيه إلا الحمل على ما فيه العلة بخلاف علة الناظم فإنها عامة في الجميع، وكون العلة عامة في معلولاتها أولى من كونها خاصة ببعضها ما وجد ذلك)(المقاصد الشافية 1 /80. ) والحق أن كلا المذهبين مقبول في النظر إلا أن ما ذهب إليه الشاطبي أولى لكونه يعم أسماء الأفعال جميعا، سواء ما دل منها على الماضي أو المضارع أو الأمر، في حين مذهب ابن جني لصيق باسم فعل الأمر فإذا كان لا بد من ترجيح أحد المذهبين فالأولى اختيار ما كان يعم جميع أسماء الأفعال وإن كانت المسألة برمتها جدلية لا تؤثر في عمل الأسماء ولا في معانيها فأسماء الأفعال مبنية قبل معرفة علتها ومعرفة العلة أمر فلسفي جدلي لا شك أنه يثري النظر في معالم هذه اللغة دون أن يخل بأصولها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق