الجمعة، 28 يوليو 2023

(قيل: ادخل الجنة)

( قيل ادخل الجنة) يس٢٦.
 هذا الاشعار العظيم الذي تتوق له نفس المؤمن ويبقى وجلا من فواته راجيا سماعه ما دام في جسده نفس يرتد.. "ادخل الجنة" ومن لا يطمع في الجنة؟ ومن لا ترنو نفسه إليها؟ فهنيئا لمن سمع هذا النداء! هنيئا لذلك المؤمن الذي نصر عقيدته وآمن بالرسل وجهر بنصرتهم، إن هذا النداء له ثمن باهظ يدفعه المؤمن من حياته ما دام على وجه البسيطة إنه ثمن عقيدة التوحيد التي جاءت بها الرُّسُل، إنه ثمن العقيدة التي جاءت بهذا الرجل المؤمن من أقصى المدينة ناصحا لقومه ناصرا لرُسُل ربه ﴿ وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ۝ ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ ۝ ﴾ [يس: ٢۰ - ٢١] إن من أهم صفات المؤمن هي النصيحة للمؤمنين، ولا خير في مؤمن يغش إخوانه المؤمنين، أو يراهم على باطل فلا يردهم عنه، ولا ينصحهم بتركه، إن الله جل وعلا قد امتدح هذا المؤمن لأنه جهر بإيمانه وجهر بعقيدته عقيدة التوحيد ونصح قومه؛ ليدلهم على سبيل النجاة وينصحهم باتباع رسل الله ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾ [يس: ٢٢ -٢٣] ) وكيف لعاقل أن يترك عبادة فاطر السماوات والأرض، وفاطر الإنسان، ورازقه ومدبر أمره ؟ ويصرف العبادة الى بشر لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا، أو إلى ميت في قبره ما يدري ما يفعل به ولا يسمع نداء من يدعوه، أو إلى وثن لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر !! 
ثم يصدع هذا المؤمن بالحقيقة الصادمة التي تخرس عندها ألسنة المشركين ﴿ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ [يس: ٢٣] من الذي يملك الضر والنفع في السماوات والأرض غير الله؟! لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا رجل صالح يملك شفاعة إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة: ٢٥٥] فإذا كانوا لا يملكون الشفاعة فكيف يملكون الضر والنفع؟!
 وإذا كانوا لا يملكون الضر والنفع فكيف يُدعَونَ من دون الله ؟! 
هذه الحقائق كلها نطق بها هذا المؤمن بوجه طغيان المشركين فاستحق بها ( قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ) قال ابن كثير: فدخلها فهو يرزق منها، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، استحقها؛ لأنه جهر بعقيدة التوحيد في زمن الشرك؛ ولأنه نصح في زمن الخيانة، وهذه هي صفات المؤمن، قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحا، لا تلقاه غاشا، لمّا عاين ما عاين من كرامة الله تعالى ﴿ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ ۝ ﴾ [يس: ٢٦ - ٢٧] ) تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله، وقد كان المؤمنون يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، والنصح لكل مسلم وبهذا نشروا التوحيد ورسخوا العقيدة في نفوس الناس، وقد قيل في الأثر: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمع.
 إن أعظم ما بليت به امتنا في هذا الزمان هو انتشار الفكر الغربي الذي تطبع به المسلمون اليوم من رفع شعارات الحرية في قول كل قبيح ونشر كل رذيلة، ورفض كل نصيحة، وكل موعظة بحجة الخصوصية وعدم التدخل في شؤون الاخرين، فانحدرت مجتمعاتنا الإسلامية الى حضيض الأمم، وسفل شبابنا في أخلاقهم ودينهم وعقلهم أسفل سافلين وغدوا مرتعا سهلا لكل وارد، ومطية لكل راكب، وهذا والله أمر جلل! ينذر بعقوبات ربانية عظيمة فحين يكذب الدعاة إلى الله، ويقتلون ويهان الدين ويستخف به ويستهزأ بالله ورسله وآياته دون رادع ولا منكر، فإنه لاحق بمن بعدهم ما لحق بقوم ذلك الرجل المؤمن، قال جل وعلا: ﴿ ۞ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ۝ إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ ۝ ﴾ [يس: ٢۸ - ٢۹] قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه غضبا منه تبارك وتعالى عليهم لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه ويذكر عز وجل أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم بل الأمر كان أيسر من ذلك (إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ ) 
وإذا حل الغضب بقوم فلا ينجو إلا المصلحون قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: ١٦٥] ، بل قد يحفظ الله قوما وينجي قرية مما حولها من العذاب بإصلاح أهلها، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: ١١٧] ، فيا أيها المسلم الكريم الزم كتاب ربك! وسنة نبيك! وانصح للمسلمين جميعا ! وخذ النصيحة من صغيرهم وكبيرهم! عسى الله ان ينادي علينا يوم القيامة (قيل: ادخل الجنة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعطش للدماء!

ما يقوم به الكيان الصـ8ـيـ9ني من وحشية مفرطة في القتل، والتدمير، وسفك الدماء، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، إنما هو الوجه الحقيقي له و...